السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
لقد رسم النبي صلى الله عليه وسلم فيما رسم منهجاً واضحاً في وصايا وجّهها لشباب الأمة المحمدية ، ممثلة في ابن عمه عبد الله بن عباس ، حيث قال له : (( يا غلام ، إني أعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك بشيء إلا قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام وجفّت الصحف )) .
إن أول لبنة في بناء الشباب لبنة العقيدة ورسوخ الإيمان ، وصدق التعلق بالله وحده والاعتماد عليه ، (( ولقد تتابعت فقرات الوصية لابن عباس في هذا الحديث وكلها في قضايا الإيمان من الاستعانة وغيرها )) .
ويوصي رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل وصية تدعم الإيمان وتزيده رسوخاً قائلاً له : (( اعبد الله كأنك تراه ، وأعدد نفسك في الموتى ، واذكر الله عند كل حجر وشجر وإذا عملت سيئة فاعمل بجنبها حسنة ، السرُّ بالسر ، والعلانية بالعلانية ))
بهذه الوصية جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل بين المراقبة والإخلاص والعلم والطهر ، وهي صلب العقيدة وغايتها وروحها ، ويوجه النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمر أن تكون حاله في الدنيا كحال الغريب الذي ليس له مسكن يأوي إليه ، أو كعابر السبيل القاصد البلد البعيد ، فعن عبد الله بن عمر قال : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال : (( كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل )) .
لقد جاءت وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم للشباب ابن عمر عكس ما يوصى به الناس الشباب في هذا الزمن من تأمين المستقبل ، والتفكير في متطلبات الحياة ، وبذل الجهد في أسباب الراحة والسعادة الدنيوية .
ويوصي النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل وغيره من الصحابة إلى مراقبة الله سبحانه وتعالى في كل وقت ، وأن الله مطّلع عليهم في أي مكان كانوا : (( اتق الله حيثما كنت ، واتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن )) فالشباب معرّض أكثر من غيره للوقوع في المعصية لقوة دوافع الشهوة عنده ، فإذا ضعفت نفسه وزلّت قدمه فإنه يجد في وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يمحو ذنبه ويريح قلبه .
وفي إطار حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تأديب الشباب ، ولعلمه صلى الله عليه وسلم أن الشباب في هذه المرحلة أحوج ما يكون إلى النصيحة والإرشاد فإنه يوصيهم ببعض الوصايا ، ومنها :
وصيته للشاب معاذ بن جبل بجملة من الأعمال ثم قال : (( ألا أخبرك بملاك ذلك كله ؟ )) قال معاذ : بلى ، فأخذ بلسانه وقال : (( تكف عليك هذا )) قال معاذ : يانبي الله ، وإنّا لمؤاخذون بما نتكلم به ! قال : (( ثكلتك أمك يا معاذ ، هل يكبُّ الناس على وجوههم في النار إلا حصائد ألسنتهم )) .
وهذه إشارة من الرسول صلى الله عليه وسلم للشباب إلى أن السلامة في كف اللسان ، فالكلام يخبر بمكنونات السرائر ، فحري بالعاقل أن يحذر من زلَلِه بالإمساك عن الكلام أو بالإقلال منه .
ويوصي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب بقوله : (( يا علي ، لا تتبع النظرة النظرة ، فإن لك الأولى وليست لك الآخرة )) . ولمّا سأل جرير بن عبد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجاءة أمره صلى الله عليه وسلم أن يصرف بصره .
ما أحوج الشباب إلى مثل هذه النصيحة والتأكيد عليها لاجتماع شهواتهم وكثرة الفتن في هذا الزمان .
ولأن الشاب قد تغلبه نفسه ويغلبه هواه فيقع فيما حرّم الله ، فقد حذّر الرسول صلى الله عليه وسلم في وصاياه الشباب من الوقوع في أمور كثيرة ، منها إسبال الثياب ، قال ابن عمر : مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي إزاري استرخاء فقال : (( يا عبدالله ، ارفع إزارك )) فرفعته ثم قال : (( زد )) فزدت ، فما زلت اتحراها بعد ، فقال بعض القوم : إلى أين ؟ فقال : أنصاف الساقين )) .
فلابدّ أن يدرك الشباب جيداً خطر هذا الجُرم ، وما يترتب عليه من الإثم ، ومن ذلك أن الله لا ينظر إلى من جرّ إزاره بطراً ، وأنه معرّض لأن يخسف الله به الأرض .
وكان صلى الله عليه وسلم يوصي الشباب با ستغلال شبابهم في العمل الصالح الذي يقربهم من الله سبحانه وتعالى ؛ لأنه يجتمع لهم من النشاط والقوة وصفاء الذهن والصحة والفراغ ما لا يجتمع لغيرهم .
عن ربيعة بن كعب الأسلمي قال : كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتيته بوضوئه وحاجته فقال : (( سل )) فقلت : أسألك مرافقتك في الجنة ، قال : (( أوغير ذالك ؟ )) قلت : هو ذاك . قال : (( فأعني على نفسك بكثرة السجود )) .
كما أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبان أيضاً بكثرة السجود قا